الثلاثاء، 20 مايو 2008

شتات

15/7/2005...وبعد عصر ذاك اليوم ..خرج السيد فادي من المقبرة بعدما أودع ابنه الوحيد سكناه الأخير..يتخيل كيف سيكون حاله بين الثرى..يعصر الألم قلبه.. وراح منصرفا يأخذ العزاء على بوابة المقبرة..ينفض تراب القبر من يده ويزيحه عن عينه , كأنما يضرب كفا بكف ..أو كأنه يفسح مكانا في عينيه لأرق قطع معه عهدا منذ مات قلذة كبده..

.. انتهى العزاء..وقفل السيد فادي راجعا بيته..بعدما أثقله الحزن واسودت الدنيا في عينيه ..دخل حجرة ولده الصغيرة ..جلس على مكتبه ..وبدأ يقلب في أوراقه ..والدموع تصب من عبنيه صبا ..وبينا هو كذلك ..وجد دفترا كتب عليه بخطٍ كبير (صفحات من الذاكرة) وبدون تردد فتحه وقلب بين أوراقه..وبدأ يقرأ فيه..

كان من بين العبارات المكتوبة فيه..((أعلم أنني اليوم أسجل أول صعود لدرجات الحياة..كل ما مضى من عمري كان شيئا والآتي شيئ آخر..لم أكن واعيا لشيء.."حتى نهاية الصفحة.. وقد وضع التاريخ في الأسفل 20/5/2005مـ ..

وفي صفحة أخرى وجد تلك العبارة "..وعلى مقربة مني وجدت أبي ..احتضنته بقوة..وقلت له..أبي لا تتركني وحدي.."

لم يستطع السيد فادي أن يقاوم نفسه..وانهال بكاءً ..ونفسه تحدثه.."..لأول مرة تترك ولدك وحده..تركته في ظلمة موحشة..تركته للديدان تنخر جسده ..سيضيع بهاءه وحسنه..رب بلطفك تغمده و في رحمتك أدخله.."

..ثم أمسك بقلمـٍ وكتب في آخر صفحات هذه الصفحة..(ولدي الحبيب أعرف أنك لن تسمعني..ولكن لا بد أنك يوما كنت تشعر بالأمان جواري..فما الذي حدث..هل سأمت أحضان أبيك .. يوم أن كتب الله على والدتك وأختك قضاءه وتوفيتا لم أحزن بقدر فقداني لك..ولدي لقد شعرت بعدك بالشتات..شتات الروح والكيان والفكر.. فانتظرني سآتيك قريبا.." ثم اتكأ على ظهر الكرسي..وراح يحلم و دموعه الرقراقة تسيل على خده.."

الاثنين، 19 مايو 2008

على منصة الحيرة

بصورة أو بأخرى..قضى ليلته تلك بعد أن أرقه التفكير..وأقلقه طول السهر.. ليلة حاكى فيها القمر.. بث همومه وآلامه.. كل مشكلة السيد عصام هو ذاك الأمر الذي جاءه على غير انتظار أو حتى حسب حسابه..فجأة وجد نفسه مستشارا يجلس على منصة القضاء..وغدا صباحا أول جلسات القضايا التي يرءسها..قضية حاسمة..ترفع به درجات السلم كاملة أو تهوي به إلى فاع لم يكن هاوبه لو لم يكن يوما مستشارا.. قضية صفقة لحوم فاسدة لأحد كبار البلد.. وها هي الحيرة تضعه بين فكيها..العدل وهوة النهاية..أو الجور والهاوية..

..وخرجت الشمس من خلف ستار الليل,تشق عباب الظلمة معلنة يوما جديدا هو أشق الأيام على نفس السيد عصام.. قام متثاقلا ,قد شغله التفكير حتى بدت الشمس عروسا في خدرها..وأفاق فجأة بعد أن أذهب الأرق والقلق تركيزه وبعثر جمع أفكاره .. و راح يؤدي فرض ربه وهو يدعو ويلح على الله أن تمر جلسة هذه القضية اليوم علر خير..

.. ارتدى السيد عصام ملابسه التي اشتراها بثمن أثقل كاهله..فذاك مجلس يرتقيه ذووه تعلوهم عظمة المنصب التي تبدو في شماخة أنوفهم ..ورتابة مظهرهم.. لكن السيد عصام كان بين الرهبة والعدل في حيرة.. و نزل من بيته فوجد سيارة قد بعثت بها المحكمة لتكون خاصة به فترة بقائه في منصبه .. ركب السيارة وهو شارد الذهن..وسرعان ما قال له السائق..سيادة المستشار قد وصلنا إلى المحكمة..

انتبه السيد عصام ونزل يقدم خطوة ويتأخر عشرا..وهو يحاكي نفسه.."ما لك يا عصام,لم تعرف الخوف أو التردد طيلة حياتك واليوم وأنت في الخمسين من عمرك تخشى أمرا كهذا.. لا لكنك لم توضع في موقف شر من هذا... أفق يا عصام خير الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر.. ولكن ما العمل ..أتترك كرسيك من أول جلسة لك عليه..وليتها تنتهي هنا.." و فجأة أمسك يده أحد الموجودين بساحة المحكمة فانتبه له..قال الرجل له ..انتبه كدت أن تصطدم بتلك السيدة..فاعتذر وانصرف طالعا لحجرته قبل أن يحين ميعاد الجلسة.

ودقت أجراس التاسعة والنصف صباحا..ودخل منادي المحكمة القاعة المخصصة لجلسة القضية..ونادى بصوته الذي يكرهه المتهمون.."محكمة".. فقام الكل واقفون..

..وحدث عصام نفسه.."جاءت ساعة الصفر يا عصام" ثم دخل القاعة واعتلا المنصة..وقال كما يقول القضاة.."نادي على القضية الأولى.." فنادى منادي المحكمة على قضية غير التي كان ينتظر عصام.. ومرت تلك..ثم أخذت المحكمة استراحتها.. وتابعت جلسات القضايا تباعا..ولم يكن في جدول اليوم تلك القضية التي أطارت النوم من عيني عصام..

تعجب السيد عصام وسأل عن جلست اليوم ألم يكن من ضمنها قضية اللحوم الفاسدة المشهورة التي ضجت لها البلد ..

..علم بعدها أن يدا طولى قد عملت في الموضوع حتى أخرت ميعاد القضية.. تعجب برهة ثم طلب ملف تلك القضية كي يدرسه على مهل ..

انقضى اليوم سريعا..و خرج السيد عصام من المحكمة كرتاحا بعض الشيء وقبل أن يصل باب سيارته..إذ برجلين يقبلان نحوه..تكلم أحدهما:السيد فارس المصري يطلبك إليه الساعة التاسعة مساءً في قصره..وهذا عنوانه أتحب أن تأتيك سيارة خاصة أم تأتي أنت.. وأسرع من البرق جاء الإسم في ذاكرته..لم يكن يتوقع أن ميعاد القضية قد تأجل لأمر كهذا.. رد دون تردد على الرجل..سأكون هناك في الميعاد.. ثم ترك حقيبته مع السائق في السيارة وقال له سأذهب سيرا ..أريد أن اكون وحدي..

راح السيد عصام يسير ويفكر..يحاكي نفسه "يا ترى ما وراء هذه الزيارة هل ما ببالك يا عصام... أهي القصور التي حجارتها من نور تستقبل المخلوقين من طين مثلنا..ربما إذا اضطرت الأمور لذلك..."

وبقي هائما يروح ويجي حتى لف الليل بأجنحته المدينة ..توقف عند أحد الجوامع و بقي فيها حتى دقت أجراس الثامنة والنصف..قام وهم بالذهاب لميعاده ذاك..وما زال التفكير يدور في ذهنه..

..وصل إلى المكان المكتوب في البطاقة ..فوجد سورا عاليا مرصع بحبات من النور وحوله رجال حرس كأنما أنت واقف أمام مبنى شرطة ..وليس قصرا خاصا..

..سار ناحية بوابة ذاك القصر وأعطى البطاقة لرجل الحرس ..وسرعان ما رد له الحارس جوابا:..السيد فارس ينتظر قدومك ..مرحبا أهلا وسهلا..

اصطحب الحارس السيد عصام وهو يسير به من مكان لآخر بين جنبات ساحات القصر الخارجية ..حتى وصل إلى مبنى ليس بالحجم الكبير..ووقف عند مدخله ورفع سماعة هاتف معلق هناك على احدى الجدران..ألو ..أخبر السيد فارس..أن ضيفه قد وصل..وفورا سُمح للسيد عصام بالدخول..

..لم يكن عصام قبل ذلك قد رآى أو حتى سمع بالسيد فارس ..بل هو حتى لا يعرف أن هناك منصيا في البلد كمنصي السيد فارس..

استقبله السيد فارس بحرارة شديدة..وجلس يتسامر معه..من بحر حديث لآخر..ومن موضوع لموضوع..و يتحلل هذا الحديث المشروبات الباردة والساخنة ..حتى دقت أجراس الحادية عشر..ولم يجد السيد عصام أن فارسا هذا حدثه بأمر القضية..فحاول أن يستأذن..لكن السيد فارس قاطعه قائلا.. لم تنته جلستنا بعد سيدي..العشاء في انتظارك.. وصاحبه حتى غرفة الطعام ..مائدة لم ينصب مثلها لا في بيت عصام ولا من يعرف..جلسا على مائدة الطعام..ومازال الحديث مستمرا..ثم فجأة قاطع عصام السيد فارس قائلا.."..وبالنسبة لقضية سيادتكم التي تحت يدي.."فلم يسمح له السيد فارس بالإكمال وقال له ..لكل مقام مقال سيدي وليس هذا مقام القضاء..أنت في ضيافتنا ..فسكت السيد عصام مدهوشا..

أكرمه السيد فارسا إكراما مبالغا فيه في تلك الليلة ..و جاء ميعاد الذهاب..فودع السيد فارس ضيفه ..دون أن يريح له باله بسبب هذه الضيافة..

..لكن السيد عصام فطن لتلك الضيافة..وقرر تلك الليلة أن يرى القشية بعين الحق لا بعين ملأتها ضيافة السد فارس..

مرت الأيام تلو الأيام ..وجاء ميعاد الجلسة التي فوجئ السيد عصام من أوراق القضية أنها الجلسة الأخيرة للنطق بالحكم..أي أن منصبه هذا لم يجئه ليفرح به أبدا..

وأصبح صباح يوم الجلسة..وصل السيد عصام إلى المحكمة وفي حقيبته أوراق القضية..دخل حجرته الخاصة..وفتح الحقيبة فلم يجد بها أوراقه التي يرتب بها منذ أسابيع..واختلط الأمر عليه..التاسعة إلا خمس دقائق والأوراق ليس معه..لم يبق عن الجلسة سوى خمس دقائق..هاتف الشؤون القضائية يدق..ألو مرحبا أن المستشار عصام ... أوراق القضية رقم المحفوظة في خزانتة المحكمة تأتيني حالا.. ودقت أجراس التاسعة..ولأول مرة ينتفض السيد عصام..وجلس على كرسيه على منصة القضاء وهو يقول"..منصة أرق وحيرة وقلق.."

وبدأت الجلسة ..و المدعون والمحامون..وكل أطراف القضية حاضرون...

وقال المستشار عصام كلمته.."..محكمة.." فوقف الجميع.

السبت، 17 مايو 2008

حكاية حياتي

كان يوما عرفت فيه طعما جديدا للحياة..يوما سجل بداية مشرقة لعقد جديد في حياتي..كدت أظنه حلما لولا أنه ما زال معي إلى اليوم, بل هي ساعة واحدة كانت كفيلة أن تجعل مني كيانا غير الكيان وروحا ممزوجة بروح..لحظة مرت على قلبي فتكسر على حدها كل ما رأيت من معاناة في حياتي..ضاعت معها كل آلامي..وتكسر حاجز الصمت الرهيب بداخلي.. عندها فقط خلق الحلم والامل داخل نفسي..
هذه اللحظة هي شوط حياتي الجديد..وتلك الفتاة التي عرفت هي ساحتي التي سأعيش فيها بقية عمري..
لم أكن أعلم يوما أن بداخلي تلك المشاعر الدفاقة من الحب ,أو أن قلبي يمكن أن يصادف من يدق لها ..بين حين وآخر ..وجدت نفسي قد تعلقتت بها ..أحببتها..صارت كل خياتي,,غيرت لي معالم أيامي..جعلتني أتعجب من ماضي كيف كان يمر اليوم فيه ثقيلا باردا ليس فيه ما بفرح أو حتى يشجن..كشفت أمامي لونا جديدا من الإحساس..صورة جلية لمعنى الصدق والإخلاص..زينت لي الطريق إلى قلبها..طريق الحق لا طريق الشيطان..
..وها هي نفسي تتغير تماما..عاداتي وتصرفاتي ..أسلوب حياتي كلها.. أهو الحب وسحر الحب؟ نعم هو بجماله ودنياه الرقيقة..
لكم تمنيت أن أعيش في دنيا غير الدنيا..لكنني لم أحلم يوما أن أصعد إلى كوكب الجمال..كوكب هواءه الحب..وماءه الحنان.. ونسماته العطف والدفء والأمان..
وقعت يومها بين فكي الحيرة..أن أسدل الستار على الماضي وألا أعبث به..وأبدأ رحلة حياة حقيقية مع تلك التي أحببتها..أم أجعل هذا الأمر فصلا جديدا في حكاية حياتي.. لكن القرار الذي اتخذته بعدما مرت الأيام معها..أن أغلق على الماضي خزانته..وأقطع خط الرجعة إليه ,وأن نكون هي كل حياتي ليس فصلا واحدا فقط ..فلم يكن في الماضي الا الفراغ القاتل والسأم ..أما اليوم ومعها فلا فراغ ولا سأم..

الأربعاء، 14 مايو 2008

نثار من خاطري

* قد كنت يوما لعبة تلعب بها أيدي الزمان..طفل لا يعي من الخيال شيئ..هو كائن حياته تحركها الأحداث ..وتعبث بها الأفكار التي لا تصدق.. فكرة كنت في أذهان أهلي..كيف سيكون ومتى سيكبر؟ في عجلة كانوا كي يرون مني رجلا قد قضى الزمن على عقدين أو ثلاثة من عمره..رجل يشد به الظهر وتسند إليه مسؤوليات..لم يكونوا على علم أن ذلك إن أفرحهم أتعبني..وإن أتعبهم أسعدني.. لم يكن ببالهم أن ذلك ينقص من عمري أياما ويجر بي إلى القبر سريعا..
..تلك هي الأقدار.. وها هو الزمان سار بما أرادوا..وتلك هي الأقدار تحكم في بسنة الله التي كانت خيالا في أذهانهم.. تلك هي الحياة أكلت من عمري عقدين كاملين..وتلك هي مسؤولية نفسي حملت على كاهلي..لم أعد ذاك الطفل المدلل الذي يأتيه أهله بالحلوى فتسعده..لم أعد ذاك الذي أبلغ أمنياته أن يحمله أباه على عنقه أو يرفع به في الهواء فيضحك ويلعب.. اليوم أنا لست أنا ..أنا بعض مني وبعض من يد الزمان..وكل من حكم القدر..
فهل يا ترى ضاعت العشرون بلا جدوى..هل ما صرت إليه صنعة من الزمن أم صنعة من فكري ..؟ أهي أحلامي وأوهامي التي بنت كياني وشخصيتي.؟ أم هي الأيام والمواقف والحياة؟ هل لو أعيد بي العمر لبدايته سأفعل ما فعلت مما أذكر ومما لا أذكر؟أم سأصنع تاريخا غير التاريخ؟ هل أنت راضية أيتها النفس عن تلك العشرين ؟ أم أن هناك شيئا تتحسرين عليه..؟ أهي سنوات خير أم سنوات كن عجاف؟
..كلها أسئلة تبحث عن إجابة ..إجابة لا يعلمها إلا الله..وقد تعلم منها النفس شيئا لكنها تخفيه ..

تلك سطور من قصتي مع عقدين كاملين.. فهل ما زالت خكاية حياتي في فصولها الأولى أم أن ما أكله الزمان هو كل العمر..؟ هل سأصنع شيئا كنت أحلم به منذ صباي ..أم سيسبق علي القدر أو يلهيني العمر ويحجبني الخور والضعف؟
علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى...